
يأتي البلاغ في مناسبة يوم الغدير ليمثل تتويجاً لكل تلك الإشارات، ولكل تلك التنبيهات، لكل تلك النصوص في تلك المناسبات المختلفة، وليمثل إعلاناً عاماً وقد حضرته جموع الأمة- بمناسبة الحج- التي ذهبت لحجة الوداع، بعد عملية استدعاء الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- استدعاء من جانبه للأمة للحضور في ذلك الحج بأقصى ما يمكن، مطلوبٌ من كل الذين يمكنهم أن يحضروا أن يحضروا في ذلك الحج؛ لأن فيه بلاغات مهمة، ونداءات مهمة، وتوجيهات مهمة، وتعليمات مهمة، فرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وهو عائدٌ في تلك الظروف الحساسة المهمة، التي أبلغ فيها الأمة عن قرب رحيله من هذه الحياة، بكل ما لذلك من تأثير، بكل ما يتركه ذلك من قلق في واقع الأمة، وهو في الطريق من مكة يريد العودة إلى المدينة وصل إلى وادٍ ما بين مكة والمدينة، هو إلى مكة أقرب، وهذا الوادي يعرف بخم، وفي هذا الوادي غدير (ماء)، بالقرب من هذا الغدير الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- نزل عليه قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: الآية67]، هذه الآية المباركة والتي هي من آخر ما نزل من القرآن الكريم، والتي عادةً ما نذكر نحن والكل يذكر بأنها تضمنت ما يدل على أهمية هذا البلاغ، وبأنه في أعلى درجات الأهمية؛ لأنه حينما يقول له: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وهو قد بلغ التوحيد بأهمية هذا المبدأ العظيم: مبدأ التوحيد لله -سبحانه وتعالى- وبحساسيته الكبيرة في الواقع العربي والواقع البشري عموماً، الواقع العالمي آنذاك، بلغ شرائع الإسلام في معظمها، بلغ كذلك المبادئ، المواقف، القيم، الأخلاق، قد خاض مختلف أنواع الصراع مع المشركين العرب، مع اليهود وحسم الموقف معهم، مع النصارى وحسم الموقف معهم، قد أعلن المواقف الرئيسية واتخذها في كل تلك المراحل الماضية، منذ بعثته بالرسالة وإلى ذلك اليوم، العقائد
اقراء المزيد